يعتبر من أوسع ,أعظم مساجد المنطقة وهو عبارة عن قبو قائم على الجدران . رُمم في أوائل القرن العشرين .أمامه بئر غزيرة الماء كانت قديماً مكشوفة .
يعتقد الناس أنه بئر مدين سقى النبي موسى (ع)غنم شعيب منه وبين أطلال القرية والبئر (قرية شعيب )وليس ذلك بصحيح لأن مدين بين مصر والشام
إن ما ذكر أعلاه يظهر الأهمية التاريخية والأثرية والزمنية لمسجد بليدا مما يستلزم العمل على ترميمه وإظهار معالمه الأثرية والفنية ضمن خطة صيانة وحفظ ,
وذلك بما يتلاءم مع أهميته المذكورة ومما يستلزم أيضاً وضع دراسة مفصلة عن المسجد ومحيطه .
دراسة عن مسجد بليدا
المهندس موسى شمس الدين
نحن في مكان يقع على هضبة مطلة على سهل الحولة ,الممر البري الوحيد والقديم بين بلاد الشام وفلسطين .يتمتع بأشراف مميز على الجهات الأربع .هذا المكان هو مسجد بليدا.
كان في بدايته وثني ,ثم أصبح معبد مسيحي ومع بداية الفتح الإسلامي صار مسجداً وأول مسجد في جبل عامل .
لاحقاً بعد الحملات الصليبية على الشرق ,أحتله الصليبيون وجعلوه حصناً وثكنة للجند .وبعد تحرير بلاد الشام من الصليبين عاد وأصبح مسجداً للمسلمين مرة ثانية .
وهذا المسجد له قيمة تاريخية تعود إلى أكتر من ألفي عام .
التفاصيل المعمارية الموجودة في الفراغ الداخلي شديدة الغنى والتنوع وشديدة التعبير عن الحقبات التاريخية التي مرت على هذا المكان .الحجر المستخدم وطريقة تجهيز الحجر وطريقة الإنشاء التابع للمكان .شاهدة على ذلك .
الفتحات الموجودة ,حجمها ,موقعها ودورها ,والسقف والتقبيب الموجود في المكان ,والأجزاء الموجودة كذلك ,كلها توحي بالحقبات التي تعاقبت كما ذكرنا .
هذه الحقبة متباعدة بمرحلة تاريخية أولى كان هذا المكان عبارة عن معبد وثني ,وكان مقفل من الداخل إلا من الباب الأساسي الذي يتم من خلاله الدخول إلى فنائه.
بعد الدعوة المسيحية أخد هذا المكان دور وطبيعة أخرى ,ثم لاحقاً صار الفتح الإسلامي لبلاد الشام كان هذا المكان أول مسجد للمسلمين في جبل عامل .وهو أقدم مسجد في جبل عامل .
في الحروب الصليبية أحتله الصليبيون وحولوه إلى حصن لهم ,وملامح هذا الحصن بارزة على الجدران .الفتحات الصغيرة الموجودة الموزعة على الجدران لها دور الحراسة والمراقبة والرمي.
ثم بعد تحرير بلاد الشام من الصليبين أعيد هذا المكان إلى سيرته الأولى مسجداًكما كان سابقاً.
إذا أخدنا هذا الجدار الأساسي من الداخل ,نرى طبيعة الحجر وشكل الحجر المستخدم فيه ,يعود بطريقة بناءه إلى حقبة تاريخية قديمة كما ذكرنا هي الحقبة الأولى التي شهدت إنشاء هذا المكان .
وإذا لاحظنا إحدى هذه الفتحات الصغيرة ,نلاحظ الأحجار المبنية منها ,حجارة مختلفة تماماً ,سواء بطبيعة الحجر أو بطريقة شغله للأحجار المحيطة بها على الجدار الأساسي ,هذه الأحجار تم بناؤها لاحقاً .
وطريقة بناء الفتحة تختلف كثيراً عن طريقة بناء العقد بالنظر إلى طريقة البناء العامة للمكان كله. وهذا ما يدلنا على إن هذه الفتحة قد أنشأت بمرحلة تاريخية لاحقة عندما أستخدم هذا المكان كحصن كما ذكرنا سابقاً.
هذا القوس الموجود والتقبيب وكذلك القوس الآخر هما عبارة عن كتلة إنشائية لم تكن سابق مستخدمة بالمرحلة الأولى التي تم فيها أنشاء هذا المكان .
والفتحة الثانية(النافذة الكبيرة ) نلاحظ أن الحجر المستخدم يختلف عن الحجر المستخدم في الفتحة القريبة (المعدة للمراقبة والرمي )فالحجر المشغول في جوانب النافذة يبدو أنه كان في مرحلة تاريخية ثانية من حيت تحضيره وتجهيزه للبناء ,مختلف عن الحجر الأساسي أيضاً. وهذه الفتحة وشكلها وطريقة بنائها تنتمي إلى مراحل كانت تقنيات البناء مختلفة بشكل جدري ,وبشكل كان يدل على مهارة دخول علم البناء أكثر بإنشاء المباني التي كانت تنشأ في تلك المرحلة .
ومن المهم القول ,أن النوافذ الكبيرة هي فتحات استحدثت بعدما صار هذا المكان مسجداً,وكان استخدامها لسببين :أولاً :فتح المسجد إلى الخارج كما هو موجود لكل مساجد المسلمين .وثانياً زيادة الإنارة بشكل كاف للفراغ الداخلي
والجدار القبلي هو اكبر شاهد على التغيرات والتنوع الموجود داخل هذا المكان .وهذه الفتحة التي قلنا عنها أنها ذات طابع عسكري ومعدة لإغراض عسكرية محاطة بقنطرة انشغلت لاحقاً مع قناطر أخرى حتى تكمل الإيقاع الموجود على الجدران الذي يقع في وسط المحراب .
وفي وسط هذا الجدار يوجد لدينا زخارف محيطة بالقناطر الثلاثة التي يتوسطهن المحراب . والنقوش الموجودة عليه تعود لأكثر من مرحلة بحسب سيرنا على الإطار الخارجي لها.وهذه النقوش الموجودة عليه تعود بوضوح إلى الحقبة الكنعانية بكل الأشكال الموجودة عليها وتستمر إلى هذا الجزء من الجدار ثم تختلف هذه النقوش,وتعود إلى حقبة لاحقة وتحيط بالمحراب المتوسط لهذا الجدار (الجدار القبلي ).
سقف المسجد يتألف من ثلاثة كتل, وسطية على محور المسجد تمتد من الشمال إلى الجنوب باتجاه الحائط القبلي .وكتلتان جانبيتان .والسقف كما هو ملاحظ سقف مقبب ,الكتلتان الجانبيتان شبه رواقين بسيطين على جانبي الكتلة الأساسية .والسقف مبني بمستوين مختلفين عن بعضهما مما يوحي بأنه بني على مرحلتين ,أو بني بكاملة ثم أضيفت عليه تعديلات لأسباب مجهولة ,تعديلات طابعها إنشائي ومعماري .
والكتل الجانبية ذات مستوى مختلف عن الكتلة الوسطية ,سواء بارتفاعها أو بشكل تدويرها .الكتلتان الجانبيتان المرجح أنهما بنيتا بمرحلة لاحقة عن بناء المسجد بكامله .وهذه الكتل ترتكز على أقواس مرتكزة بأحد أطرافها على أساس ممتد على طول كل من الجدارين الشرقي والغربي وعلى جزئين من كل من الحائطين الشمالي والجنوبي .هذا الأساس مختلف بطبيعته عن الأساس الذي يحمل العقد الوسطى سواء بالشمال أو بالجنوب وبالتالي نستنتج أكثر أن الكتل الجانبية هي كتل مختلفة بالسياق الزمني بتاريخ بنائها عن تاريخ بناء السقف الأساسي الوسطي .
ترميم المسجد قديماً وحديثاً
في سنة 1185ه إجتاز ناصيف النصار مقام النبي يوشع فترجل عن جواده وزار المقام وكنس الحضرة الشريفة بعمته بيده ,وقال إن رجعنا منصورين لا بد من تجديد بناء هذا المقام الشريف , حيث كان بينه وبين عثمان باشا معركة عرفت بواقعة الحولة .وعندما رجع جدد بناءه .وإن تجديد جامع بليدا كان في تلك السنة كما يذكر الشيخ الفقيه في كتابه جبل عامل في التاريخ صفحة 215 .وعليه يكون قد مضى على ترميمه 240 سنة.
وفي سنة 2003 وبعد دحر الاحتلال الصهيوني عن أرضنا ,أُعيد ترميمه معاد إلى سيرته الأولى من فخامة بنائه ,عبر مساعي الخيرين من أبناء البلدة .ورعى افتتاح المسجد مسؤول منطقة الجنوب في حزب الله الشيخ نبيل قاووق .وحضرة النائب نزيه منصور والمستشار السياسي في السفارة الإيرانية علي قميش وشخصيات ويعود مسجد بلدة بليدا الحدودية في مرجعيون في تاريخ بنائه إلى أكثر من ألف عام ..(النهار العدد 21594)