يقع مقام النبي إدريس (ع) في مدينة الغازية , محافظة لبنان الجنوبي , قضاء صيدا , وتبعد عن بيروت حوالي 50 كلم , وعن مركز القضاء حوالي 5 كلم.
2 - البلدة :
هي ضاحية من ضواحي مدينة صيدا الجنوبية , أخذت اسمها بعد الفتح الإسلامي للساحل الشامي بقرن ونصف تقريباً وذلك بسبب نزول المحدث هشام بن الغاز بن ربيعة بن عمرو بن عوف بن زهير , أبي عبد الله وقيل أبي العباس الجرشي الدمشقي الصيداوي بها , ثم سكنتها ذريته بعد وفاته سنة 159 هـ وأورد R اسمها ضمن القرى التابعة لإمارة صيدا في زمن الحروب الصليبية تحت اسم GAZIA .
وفي جمادى الأولى سنة 709 هـ مات بها الأمير بلغاق بن كنجك بن يارتمش الخوارزمي ونقل الى سفح قاسيون بدمشق ودفن فيه.
وفي القرن العاشر من الهجرة كانت بلدة تتبع اقليم التفاح في ناحية صيدا , وعدد سكانها حوالي 766 نسمة من الشيعة الإمامية , وفيها إمام جماعة . وذكرها المهاجر العاملي قبل سنة 1071 هـ فقال " الغارية " تصحيف الغازية , وهاجمها الأمير يوسف الشهابي سنة 1185 هـ وأحرقها بعد استيلائه على صيدا.
3 - مقام النبي إدريس :
أ - من هو النبي إدريس (ع)؟
هو ادريس بن مهلائيل بن يارد بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم (ع) . وهو جد النبي نوح (ع) , فنوح بن ملك بن أخنوخ وهو النبي أدريس .
كان حكماء اليونان يسمونه هرس الحكيم ويطلق عليه العرب هرس الهرامسة , واسمه في التوراة أخنوخ , وعرف بإدريس لكثرة دراسته للكتب والصحف , وهو أول من خط بالقلم , وأول من خاط الثياب , ومن علم علم النجوم , ولغته السريانية أو الآرامية , وكان أول نبي بعث بعد آدم (ع) , وعمره عندما نزل عليه الوحي أربعين سنة , وأنزل الله عليه ثلاثين صحيفة.
عاش في عصر ملك جبار يأكل أموال الفقراء , فبعثه الله إليه , وطلب منه أن يبلغه نقمة الله عليه ويعده بسلب ملكه .
غضب عليه الملك وطلب منه أن يخرج من بلاده وتوعده بالقتل , فخرج أدريس إلى كهف في جبل شاهق , ودعا الله تعالى أن يحبس المياه عن بلاد الملك وبني قابيل وشيث الذين دخلوا في المعاصي , فاستجاب الله دعاءه .
ولما مضى من عمره ثلاثمائة وخمس وستون سنة , سأل الله أن يرفعه إليه , وأوصى الى ابنه متوشلح بالخلافة من بعده , فأجابه الله إلى ذلك , وطلب منه أن يلازم الهيكل هو وشيعته أربعين يوماً , ثم رفع إلى السماء .
وقد ذكره الله تعالى في آيتين في القرآن الكريم , قال تعالى : "واذكر في الكتاب ادريس إنه كان صدّيقاً نبيّاً * ورفعناه مكاناً علياً *"
زقال تعالى : "وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين * وأدخلناهم في رحمتنا إنهم من الصالحين "
ب - مكان تواجده :
للنبي أخنوخ أو إدريس (ع) كتاب رؤيوي باللغة الآرامية , يصف فيه المواقع حول جبل حرمون وصفاً دقيقاً , يقول في إحدى هذه الرؤى : " وفي ذهابي جلست قرب مياه دان , وهناك نمت ورأيت الرؤيا وسمعت صوتاً سماويا يأمرني بالذهاب إلى أبناء السماء لاقناعهم , وعندما استيقظت ذهبت إليهم حيث وجدتهم , وكانوا مجتمعين كلهم بالحداد في " آبل ساتا " الواقعة بين " لبنان وسلاسل " .
فهذا النص يؤكد مخالفة أبناء شيث لوصية أبيهم , ويكشف معرفة كاتبه الجيدة بالمواقع القريبة من حرمون , ومنها " نهر دان " الواقع إلى الغرب من حرمون , و"آبل ساتا" هي "آبل شيث" أي مكان المناحة على النبي شيث , والتي أصبحت تعرف بـ " آبل الزيت" أي " آبل زيتا" , وتعددت الأوابل لاحقاً فعرف منها بالقرب من حرمون آبل مايم وإبل الهواء , وإبل القمح . بينما جبال لبنان المعروفة لدى الجميع وآبل ساتا بينها وبين سلاسل , أي بئر السلاسل قرب بلدة خربة سلم ودير انطار , حيث توجد فيها مسجد الشجرة .
وهذا النص جعل الفرنسي " كليرمون غانو " يعتبر أن أخنوخ من أبناء تلك المنطقة , وأنه كان آراميا من منطقة حرمون وليس من القدس أو سيناء.
ج المقام :
يقع مقام النبي إدريس في أزقة بلدة الغازية الضيقة في إحدى زوايا المقبرة القديمة , وبالرغم من رفع أدريس إلى السماء " ورفعناه مكاناً علياً " يسود الإعتقاد بين الأهالي بأنه دفن في البلدة , وكان المقام سابقاً يتألف من غرفة صغيرة مبنية من حجارة قديمة.
وقد ذكره السيد محسن الأمين , فقال : " مشهد إدريس (ع) في الغازية " , وذكر الشيخ ابراهيم سليمان قول السيد الأمين .
وقال الشيخ سليمان الظاهر النباطي : " وفيها ( الغازية ) مزار تقوم عليه قبى يسمى بإدريس " .
ويتألف المقام حالياً من طبقتين : الأولى عبارة عن قبو طويل , يتألف من غرفتين مفتوحتين على بعضيهما , وفي إحداها يوجد الضريح , وتعلوه قبة وقد بني منذ سبعين سنة , وأعيد ترميمه سنة 2000 م , وبنيت الطبقة الثانية , وهي عبارة عن حسينية للرجال , ويغلب على الترميم الحديث الزخرفات الخشبية الجميلة.