كان عبد الجليل شيخاً لبلدة قانا الجنوبية ولا يزال مقامه موجوداً فيها لغاية اليوم، ومن خلال تجواله على القرى لمتابعة رسالته الدينية، مرّ على قرية الشرقية واستقر فيها وله مقام منذ عام 1681، ولا زال هذا المقام يعتبر مزاراً دينياً مهماً لأهالي منطقة النبطية ، ونظراً لحجم الوافدين لزيارته على مدى ثلاثة قرون كان قد تحول الى سوق شعبي تجاري أقرب إلى السوق الشعبي في النبطية وكان أبناء القرى المجاورة يعرضون في هذا السوق منتوجاتهم الزراعية والحرفية، ويستمر ذلك على مدى الأسبوع ويتسابق الوافدون للوصول من أجل حجز مكان لهم يكون قريباً من المقام حيث كثافة الزائرين، الذين كانوا يتبارون في رفع الأجران(الأثقال) و"الكباش" وسباق الخيول وغيرها من الأمور المسلية بعد القيام بواجب الزيارة وتقديم النذور طلباً لعودة غائب أو شفاء مريض ، واستمر الحال على ذلك حتى عام 1950 حيث اقتصرت الزيارات على تقديم النذور واستمر الكثيرون من أبناء القرية بتقديمها للنبي "جليل" وكانت في السابق عبارة عن "الكبريت والكاز" وبعض الليرات مشروطة بتحقيق الأمنيات كالنجاح مثلاً في الأمتحانات الرسمية أو في أي مباراة ومسابقة أخرى، وكان يشرف على المقام شيخ البلدة آنذاك المرحوم محمد علي قبيسي الذي خلفه ابنه المرحوم الشيخ مرتضى قبيسي في رعاية المقام والإهتمام به. وظل الحاج عبد الحسن شعيب لسنوات يهتم ببعض شؤونه ومنذ سنوات أعيد ترميم المقام "وتلبيسه" الحجر الصخري وتقام فيه الصلاة كل يوم جمعة ومجالس العزاء. ويقول الباحث الدكتور يوسف الحوراني في الكتيب الصادر عن وزارة السياحة 2000 (قانا الجليل في جنوب لبنان)"بالإضافة إلى وجود مزار "للنبي جليل" في قانا المنتسبة إليه هناك مزار كبير الحرمة وواسع الشهرة في بلدة الشرقية إلى الجنوب من مدينة النبطية فهذا المزار له أراضي واسعة تخصه وحتى اليوم فإن له حرمة وقداسة عظيمة في نظر الأهالي وقد كان له عيد سنوي في أيام الربيع يجتمع إليه الناس آتين من مناطق بعيدة للإحتفال وتقديم النذور. ولا يزال بناؤه الواسع والفخم يشهد على اعتبار الناس له كما أنهم ينسبون له شفاعات ويقسمون باسمه في الأمور المستعصية فيكون القسم به آخر ما يلجأ إليه الناس لإبانة الحق. ومن المرويات عنه أنه يشفي القطعان المريضة حينما تمر في جواره وهو يختار نذوره من هذه القطعان ، حيث يكون رأس يرقد في داره من نصيبه، كما ينسب له يرويض الخيول الشموس العاصية، حيث تربط هذه ليلة في داره ، وكان يقصده البدو الرعاة من أمكنة بعيدة للتبرك به ولإيفاء نذورهم في يوم عيده في الربيع" ويقول الأستاذ علي محمد اسماعيل شعيب في دراسة له حول المقام: " في اعتقاد البعض أن عمر البناء الحالي للمقام يقدر بحوالي 400 سنة،وبأنه قد شيد على أنقاض وأطلال مقام سابق أو ضريح قديم لهذا النبي (ع)،ما يعني أن وجود المقام سابق بكثير لوجود البلدة، التي حل أبناؤه ضيوفاً هنا وسكنوا قرب هذا المقام وتبركوا به منذ حوالي خمسة قرون". "إن عظمة هذا (النبي) وأهمية تبرز من خلال: - وجود آراء لبعض الدارسين تربط بين اسم(النبي جليل) وبلاد جبل عامل التي كانت تعرف باسم "جبال الجليل" نسبة إلى مقام النبي جليل في بلدة الشرقية. - تميز المقام من الناحية الهندسية عن سواه من مقامات الأنبياء الكثيرة التي تنتشر في العديد من قرى جبل عامل، إن لناحية مساحة البناء التي تزيد على 500 أو لناحية الأشكال الهندسية التي اعتمدت لبناء القناطر والسراديب، أو لناحية وجود قمة ومئذنة لهذا المقام. - في القرن التاسع عشر كان العديد من أهالي القرى المجاورة يزورون هذا المقام بشكل دوري بمناسبة الخامس عشر من شعبان وهو يوم مبارك عند المسلمين من السنة والشيعة ( وإن كان يعني للشيعة أكثر بسبب ولادة الإمام الثاني عشر وهو محمد بن الحسن المنتظر في مثل هذا التاريخ)، وكان زوار هذا المقام يرددون عند وصولهم إلى مشارف البلدة مدائح زجلية لهذا النبي حيث يقولون باللهجة العامية: واجب علينا زيارتك في نصف شعبان الفضيل هيدي زيارة واجبي عالناس جيلا بعد جيل ولا يوجد رواية تاريخية مؤكده أو مسنودة علمياً حول تاريخ أو كيفية بناء المقام في البلدة ولكن المسنين في البلدة يروون نقلاً عن آبائهم وأجدادهم رواية تحكي قصة رجل اسمه زبيب كان يقيم خيمة أو عرزالاً على التلال الجنوبية للبلدة حيث كان يحرس أرضه المزروعة هناك، وليلاص جاءه ثلاثة رجال على قدر كبير من المهابة والوقار وطلبوا منه شربة ماء فأحسن وفادتهم وسقاهم من آنية كانت معه وأطعمهم من ثمار حقله، ويضيف الرواة بأن آنية الماء قد امتلأت ماء وأن الزرع كثر ثماره عندما هم زبيب بإحضار الماء والطعام لهؤلاء الزوار. و" يتابع الرواة... كان هؤلاء الزوار هم نبي الله الجليل (ع) وشقيقه تميم وفارس البطاح، جاؤؤا على هذا الشخص الكريم زبيب وطلبوا منه بناء مقامات لهم على التلال المجاورة بمواصفات محددة، ثم أشاروا له بوجود آنية من الفخار تحتوي على قطع من الذهب سيجدها أثناء الحراثة، وعليه أن يصرفها على بناء المقامات وأن يذخر منها قطعة واحدة لحفر قبره وتجهيز كفنه. ويشار بأن لزبيب هذا قبر داخل مقام النبي جليل(ع)".