نتيجة لقوة المقام وثبوته وقدمه فقد أعطى للبلدة التي غدت تعرف بـ " النبي رشادة " وهذا ديدن العديد من المزارات كـ " النبي شيت " و " النبي عثمان " و " النبي أيلا " , ولا يدري أحد اسم البلدة قديما , لذا اعتقد عفيف مرهج التسمية قد تكون نسبة الى المقام أو المزار الموجود فيها ولكن , والمقصود من ذلك أن لهذا الولي أو النبي حضور وشهرة ذائعة الصيت , كما يستشف من التسمية ألفاظ عديدة متداخلة لمسمى واحد , فيقال النبي " رشاده " و " رشادي " و " رشاد " و " رشيد " حسب عامية البلاد . والمقصود من خلال الاسم أنه نبي الهداية الذي يشفع في الضالين , بمعونتهم على التوبة وردهم الى الصواب والهدى . كان النابلسي " في حلة الذهب ... صفحة 90 " ممن أشاروا الى مقام النبي رشادي بعدما غادر بعلبك بالقول : " وركبنا فتوجهنا الى جهة البقاع العزيز , ومررنا في الطريق فقرأنا الفاتحة لنبي الله عز الدين ونبي الله الرشادي حين قربنا من قبريهما بقدر ما نميز , ولعلهما من الأولياء والأمجاد , ولكن اطلاق النبوة عليهما وعلى أمثالهما أيضا في هاتيك البلاد , باعتبار ما عليه غالب أهل تلك القرى من الاعتقاد في انكار كرامة الولي , فاذا رأوها قالوا هو نبي , كما بعض فضلاء بعلبك لنا هذا أفاد , أو أن ذلك باعتبار الجهل وعدم الرشاد , أو أنه وارد على أصله والله أعلم بالمراد " . وتستحضر قوة هذا المقام باتساع أوقافه التي تحصى بآلاف الدونمات ( الدونم يساوي 917 متر مربع ) , ولكن لم يبق منها سوى المئات في خراج البلدة وبلدة السعيدة المجاورة , وذلك للتطاول الكبير الذي حصل على أملاكه , حيث بيعت معظمها بالتزوير والتحريف والنصب , منها سند ملكية يعود الى العهد التركي ينص : " قد باعنا النبي رشادي وشركاه قطعة الأرض الفلانية ... وهذا بالحقيقة لأمر عجيب وغريب ولكن يفيد معظم أهالي البلدة , أن كل انسان تطاول على وقف النبي رشادي أصيبوا بالأذى , وتعرضوا للنكبات حالا بعد حال , والجميع يعتقد أن ذلك انتقاما من النبي لهؤلاء . ونظرا لأهمية هذا المقام في القرون الخالية فقد اعتمد الحرافشة وآل حمادة على الدفن بجوار حضرته , حتى غدا المقام وسط مقبرة كبيرة ولكنها تقلصت اليوم من جراء شق الطريق والبناء فيها كأملاك خاصة , لذا يلاحظ الأهالي حتى اليوم أن كثيرا من الأضرحة قد دفنت فوق بعضها البعض , اضافة الى اكتشاف قبور قديمة جدا يطلقون عليها أنها " هجرية " أو " كفرية " أي الى الكفار , ولكن لا يدري أحد ما المقصود بالكفار , لأن الخارجين عن الديانات الثلاث كانوا بنظر تلك الديانات كفارا وبنسبونها لليهود , وهذا ما يعد مغالطة علمية كبيرة , لأن الناس هناك يعتقدون أن كل المقابر القديمة هي لليهود دون أساس علمي أو معرفة تاريخية بالعصور والحضارات القديمة , مع أن هذا الترب موجهة الى القبلة المحمدية , وقد وجد في بعضها مسابح وترب حسينية حسبما أفاد بعض الأهالي , ورغم ضيق المكان فإن عامة الناس لا يزالون يدفنون موتاهم في جوار المقام , لأجل ذلك يتوجه سدنته اليوم الى مراجعة الوكيل الشرعي لتسوية القبور المحيطة به بغية الترميم بطريقة حديثة تؤهله لكي يصبح مزارا من الطراز الأول . وبالرغم من قوة هذا المقام فان أخباره مقطوعة بالتمام , حتى أن النابلسي التهى في تقسير كلمة " نبي " ولم يشر الى " نبي الله الرشادي " من هو ؟! ودون أن يتطرق اليه أحد , باستثناء الشائع بين الأهالي , انه نبي وله كرامة , وله قرابة مع مقام " النبي يوسف " المدفون في بلدة " كفردان " المجاورة , وانهم دائما يشاهدون الكواكب النورانية تنتقل بين مقاميهما طردا وعكسا . وله زيارة خاصة به معلقة على القفص الحديدي عند رأس الضريح توحي أنه كان ذا شأن مهيب , أهم ما جاء فيها : " أزور نبي الله الرشادي " عني وعن كل من قلدني الدعاء والزيارة , قربة الى الله تعالى , السلام عليك يا نبي الله , السلام عليك يا رشادة , السلام عليك وعلى رسول الله ... أشهد أنك أديت ما حملت وحفظت ما استودعت , وبلغت عن الله كما أمرت وحللت حلال الله , وحرمت حرامه , ولأقمت أحكامه , فصل الله على روحك الطيبة وبدنك الطاهر , وحشرنا الله في زمرتك تحت لواء محمد وأهل بيته عليهم السلام ولا حرمنا بركتك , ورزقنا العودة الى زيارتك ... " .
هناك لدى العامة اعتقاد أنه سابق للنبي محمد ( ص ) وهو من جملة الأنبياء الذين بلغوا مئة وأربع وعشرين ألف نبي , كانوا قد أرسلوا الى كافة الأمم , ولكن يظهر أنه ولي لتوجه قبره نحو مكة المكرمة , اضافة الى وجود كافة العناصر المعمارية اسلامية العهد فهي تعود للفترة العثمانية , كما أن ثبوت هويته لدى الحكام وأمراء المنطقة من الحرافشة جعلهم يشيدون له القباب والعقود مع جملة العمائر التي شيدوها في البقاع عموما , وفي بعلبك وقضاءها خصوصا . أما الذين اشتهروا في التاريخ عموما تحت هذا الاسم : رشد , ورشيد , أبناء النبي أيوب المشهور بصبره , ومنهم الصحابي رشيد الهجري , ويقال له رشيد المنايا , وهارون الرشيد , دون أن نجد لهما ما يشير اليهما من قريب أو من بعيد , لذلك يبقى هذا المقام في لائحة المقامات المجهولة في حسبها ونسبها وتاريخها , حتى يظهر ما يدل عليها . باستثناء الاشارة الى قوة الاحتمال الأول لكون البقاع الغربي مسرح أحداث النبي أيوب ( ع ) . يقع هذا المقام في وسط البلدة , وهو يتألف من بناء مستطيل تبلغ أبعاده 13.55 م × 4.50 م وهو يقوم على أربعة عقود حجرية , وفي وسط البناء يقوم ضريح " النبي رشادي " , وهو بطول 2 م وعرض 1.10 م , وتبلغ سماكة الجدران ما بين 50 سنتم و90 سنتم , ومما يلاحظ حاليا أن المقام مغيب الا من أهل البلدة والجوار , كذلك أوقافه أصبحت قليلة نسبة الى القرن الماضي وكأنها في نقصان مستمر ...